تاريخ فلسطين

دور الصهيونية الاستعمارية في الاستيطان في فلسطين

اقرأ في هذا المقال
  • Knowledge is power
  • The Future Of Possible
  • Hibs and Ross County fans on final
  • Tip of the day: That man again
  • Hibs and Ross County fans on final
  • Spieth in danger of missing cut

يرى الدكتور المسيري بأن الصهيونية ليست حصرًا بالقومية اليهودية أو الإسرائيلية، إنما هي أيديولوجيا سياسية غربية ذات توجّه استعماري استيطاني. وبما أن الصهيونية في الاستعمال والتعريف مرادفة للقومية الصهيونية، فهي تعني بأن اليهود يشكلون جماعة قومية أو شعبًا يهوديًا، إذ يرى اليهود أنفسهم كيانًا دينيًا متماسكًا يتمتعون بعلاقة خاصة مع الإله الذي يحل فيهم ويمنحهم درجة عالية من القداسة.

لكن الواقع التاريخي يصف اليهود بأنهم كتلة بشرية غير متماسكة لا تَتبع مركزًا ثقافيًا أو دينيًا واحدًا. يقول المسيري: “فالجماعات اليهودية كانت منتشرة في كثير من بقاع الأرض داخل معظم التشكيلات الحضارية المعروفة وداخل البنى التاريخية والقومية المختلفة. فاليهودي في الأندلس كان عربيًا، واليهودي الروسي كان روسيًا وفي اليمن كان يمنيًا وهو أمريكي في الولايات المتحدة.”

“أما العبرية -لغة الدولة اليهودية- (وهي اللغة الوحيدة المشتركة)، فقد ظلت من ناحية الأساس لغة الصلاة واللغة التي كتبت بها النصوص الدينية وحسب، أي أن العنصر المشترك لم يتعد في جوهره الصلوات والعبادات وبعض المؤلفات.”

أما الصهيونية كحركة سياسية فقد عارضت ممارسات المجتمع الغربي بالاسغناء عن الجماعات اليهودية وراحت تعمل على تحويل كل من الإحساس بالانتماء الديني إلى جماعة دينية واحدة، والارتباط العاطفي بأرض الميعاد إلى شعور قومي وبرنامج سياسي. كما قامت بعلمنة المفاهيم الدينية.

في المعاجم الغربية تشير الصهيونية للأمل الصهيوني، أي الحركة الرامية لعودة اليهود إلى وطن أجدادهم. ويشير المصطلح إلى نزعات وحركات ومنظمات سياسية غير متجانسة، بل متناقضة أحيانًا، في أهدافها ومصالحها ورؤيتها للتاريخ. وتعني كذلك تهجير بعض أعضاء الجماعات اليهودية إلى فلسطين وتوطينهم فيها من صهيونية الدياسبورا أو الشتات، كون الجماعات اليهودية متفرقة متشتتة حول العالم.

وفي التراث الديني اليهودي تشير كلمة صهيون إلى جبل صهيون والقدس، وإلى الأرض المقدسة ككل، ويشير اليهود إلى أنفسهم باعتبارهم بنت صهيون، وقد جاء في المزمور 1/137 على لسان جماعة يشرائيل بعد تهجيرهم إلى بابل: “جلسنا على ضفاف أنهار بابل وذرفنا الدمع حينما تذكرنا صهيون.”

وأكثر من يتصل بالصهيونية وممارسات الفكر اليهودية الصهيونية في فلسطين هو ثيودور هيرتزل، وهو كاتب مسرحي نمساوي وناشط سياسي، ويعرف بمؤسس الصهيونية الجديدة، ومشكل المنظمة الصهيونية والمحرض الأول لهجرة اليهود إلى فلسطين؛ سعيًا لتشكيل دولة اليهود.

تأثر هيرتزل بحادثة اعتقال لضابط يهودي بالجيش الفرنسي بتهمة الخيانة، المحرض النفسي الذي حفزه لتدشين حملة ضد معاداة السامية وبأن مأمن اليهود قائم بوطن ومكان يلم شملهم بعيدا عن الدول الأوروبية الرأسمالية.

السمسار هيرتزل

يكتب ثيودور هيرتزل في السادس من حزيران عام 1895:

“سأتفاوض أولًا مع القيصر الروسي، الذي سيقدمني إليه نصيرنا أمير ويلز، بخصوص السماح لليهود الروس بترك البلاد. ثم سأتفاوض مع قيصر ألمانيه، ثم مع النمسه، ثم مع فرنسه بخصوص يهود الجزائر، ثم حسب ما يقتضي الحال. ولكي يكون لدي اعتبار في البلاطات الأوروبية يجب أن أحصل على أعلى الأوسمة، الإنجليز أولًا.”

ولعل هذه كانت الإرهاصات الأولى للصهيوينة اليهودية وسعيها في إنشاء وطن قومي، خُصّص لاحقًا ليكون فلسطين.

أما الجملة الأخير فهي أوضح من سابقاتها، فهي توضح الهدف الحقيقي من دولة اليهود، وهو تخيل تعاونات مع الدول الأوروبية في الشرق الأوسط، الأمر الذي دأبت الصهيونية الاستعمارية العالمية على تحقيقه من دولة اليهود، والأمر الذي يجعل دعم هذه الدولة اليوم دعمًا غير محدود. فقد استعان ثيودور لاحقًا بالمال والسياسة لتحقيق مآربه، بدءًا بعلاقته مع القياصرة والرؤساء والأمراء وعلاقته مع آل روتشيلد وانتهاءً بصفقته مع السلطان عبد الحميد والدولة العثمانية ثم حكومة بريطانيا عبر الانتداب البريطاني.

ويقر هيرتزل على ما يحدث اليوم، إذ يذكر استماتة الدول الأوروبية والغربية للدفاع عن المصالح الصهيونية الذي يتأتّى من تبادل المنفعة الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، يكتب بين سطور رسالة لآل روتشيلد: “بما أننا سنعتمد هناك على البضائع الأوروبية لمدة طويلة أصبح من اللازم أن نستوردها”، ” في البدء قد لا نستطيع الإفادة من الشحن في السفن الراجعة من الرحلات.. سنبحث عن مواد خام ونرسلها إلى أوروبة.”

وقد قامت استراتيجية الرجل في هجرة اليهود، باستمالة الأمراء والقياصرة ودفعهم لقبول وتنظيم هجرات اليهود إلى وطنهم القومي، وتجميعهم من الشتات، وهو يصر كلما اجتمع مع أحد أن يؤكد له أنه يريد أن يفعل ذلك في العلن وضمن القانون، ويحصل كذلك على وعد معلن أو سك براءة من إحدى الدول العظمى آنذاك، وفي الحقيقة يبيّن لقاء دوق بادن الكبير، الذي جاء بترتيب من هكلر، صديق هيرتزل، وقسيس بريطاني سنة 1896، خطابه المرن والحاذق مع الحكومات الأوروبية.

يقول: “إن مهمتي هذا المساء أن أقنع الدوق الكبير، بأن يحصل لي على مقابلة مع القيصر وأن يتكلم عني وعن قضيتي عن دوق هس الكبير حميِّ قيصر روسية.”

“لقد اهتم دوق بادن الكبير باقتراحي بأن تقوم دولة منذ البدء. وكان الشيء الوحيد الذي يخشاه من مساندة القضية هو أن يُساء فهم هذه المساندة وينظر إليها كعمل لاسامي.”

وكلام الدوق مهم، فمن جهة أن كثير من اليهود في الدول الأوروبية قد عانوا من اضطهاد وإقصاء في مجتمعاتهم، فإن تحميلهم في سفن وإرسالهم إلى مكان بعيد كالشرق الأوسط لا يعد إلا استكمالًا لمأساتهم.

وعلى ما يؤشر هذا على اضطهاد اليهود إثنيًا ودينيًا، فإنه يدل كذلك على نشوئهم داخل المجتمعات الأوروبية وولادتهم منه، إذ يقرِّ بذلك الدوق على إنسانيتهم وسموهم كعرق أبيض، أما ما كان المحرض الأول على اضطهادهم هناك هي الكنيسة المسيحية باعتبارهم الأجيال المتعاقبة لقتلة المسيح -عليه السلام-. إضافة بأنه لا يريد أن يمسّ الدول العظمى بضرر اقتصادي ينتج عن هجرة اليهود من مجتمعاتهم.

لكن هيرتزل قد طمأنه في ذلك: “فطمأنته أن الذين سيذهبون من اليهود هم فقط الفئة التي تريد الذهاب.”، وقال: “أريد أن أقوم بكل شيء علانية، أريد أن أعمل ضمن القانون.”

لقد استنكر عدد غير قليل من اليهود في ذلك الوقت، هذه الفكرة وعدّوها استكمالًا لمعاداة السامية، كما يصف الدوق، إذ رفضوا فكرة دولة قومية لليهود، إذ هي مدعاة لتأكيد استنقاصهم من أن يعيشوا في الدول الأوروبية، ورأوا أن الحل لمسألة اليهود يكمن في تمكين اليهود من العيش في مجتمعاتهم التي صبغوا بصبغتها في أوروبا الشرقية، والمجتمعات الأوروبية الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية.

بينما استدرك الدوق الألماني جانبًا مهمًا في قضية هيرتزل، وهو مالك الأرض والقائم بأعمال الدولة العثمانية في ذلك الوقت السلطان عبد الحميد الثاني، فسأل هيرتزل عما عمله بشأن السلطان، فقال: “وهنا أخذت أشرح له الفوائد التي ستعود على الشرق من هذا المشروع. إذا تم تقسيم تركية في المستقبل القريب فسوف تقف الدولة التي تقام في فلسطين حاجزًا. هذا ونستطيع أن نلعب دورا كبيرًا في المحافظة على تركية، نستطيع أن نسند السلطان سندًا ماليًا قويًا، إذا تخلى لنا عن قطعة أرض لا قيمة كبيرة لها عنده.”

تأتي مذكرات هيرتزل هذه على رد السلطان عبد الحميد لهذه الصفقة عبر صديق له يدعى نيولنسكي، إذ قال السلطان له: “إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي فأنصحه ألّا يسير أبدًا في هذا الأمر. لا أقدر أن أبيع ولو قدمًا واحدًا من البلاد لأنها ليست لي بل لشعبي. لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم وقد غذوها فيما بعد بدمائهم وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها.”

وقد جاء ردّه في مظهر أخذٍ وجذب لصفقات عديدة بين هرتزل والسلطان، لمعرفة الأول بالمشاكل الاقتصادية التي تمر بها السلطنة، فاقترح على السلطان أن يبادل قطعة الأرض تلك، فلسطين، بعشرين مليون ليرة تركية. ولما رفض اقترح هيرتزل كذلك أن يساوم بجزيرة على البحر الأبيض المتوسط هي قبرص، ويدخل كذلك في مشكلة أرمينة -تركية ويسوّيها، لكن السلطان قد استمر بالرفض.

وتجدر الإشارة أن الصهيونية الاستعمارية التي كان يتصف بها مشروع هيرتزل كانت طماعة فهي لا تكتفي بمستوطنات ضيقة على أرض فلسطين بل أرادت التوسع أكثر، فيقول هرتزل: “فتح هكلر خرائط فلسطين التي كانت معه وأخذ يشرح لساعات. يجب أن تكون الحدود الشمالية الجبال التي تقابل كبادوكية، أما الجنوبية فقنال السويس. وسيكون شعارنا فلسطين داود وسليمان.”

وتعد الحدود السياسية لدولة الكيان الصهيوني من الأمور المعقدة والملونة فهي لم تعلن عن حدودها السياسية منذ إنشائها عام 1948، لقد ضبطت حكومة الاحتلال حدودها مع الأردن ومصر باتفاقيات سياسية هي، اتفاقية سيناء والنقب، واتفاقية وادي عربة مع الأردن، أما حدودها مع لبنان فمضمونة بالخط الأزرق، وهو نتيجة مباحثات بين لبنان وإسرائيل بوساطة الأمم المتحدة، وهناك حدود أخرى هذه المرة مع غزة، وتلك تسمى بالخط الأخضر.

مؤتمر بازل

في التاسع والعشرين من أغسطس من عام 1897، عقد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية، مؤتمر بازل، الذي وضع الحجر الأساس للدولة الصهيونية. قال هيرتزل في ذلك: “لو طلب مني تلخيص مؤتمر بازل في كلمة -وعليّ أن أحرص عدم تلفظها بصوت عال- لكانت هي: في بازل أسست الدولة اليهودية.”

لقد كان هرتزل رجلًا لديه خطة ويعرف تمامًا ما يريد وكيف ينفذ خطته: “لو قلت ذلك بصوت عال لضحك الجميع مني. لكن ربما في خمس سنوات، وبالتأكيد في خمسين سنة، سيعلم كل واحد الأمر.” ، “في بازل، إذن، أنشأت هذا الكيان المعنوي الذي لا تراه، كما هو، أغلبية الناس الساحقة. أنشأته بوسائل قليلة جدًا. وبالتدريج وضعت الناس في جو مناسب للدولة وجعلتهم يشعرون أنهم هيئة وطنية.”

لقد جاء في هذا المؤتمر انتخاب ثيودور هيرتزل رئيسًا للبرنامج الصهيوني، الذي يهدف لتأسيس وطن محمي قانونيًا وعلنيًا، لليهود الذين لا يريدون أو لا يستطيعون الاندماج في أماكن إقامتهم الحاضرة. وأنشأ المؤتمر كذلك الجمعية اليهودية كخطوة لإنشاء الدولة اليهودية، وقال: ” أما عمل السنة القادمة فسيكون تأسيس الشركة اليهودية المسماة أصلا البنك اليهودي الاستعماري.”

يقول هيرتزل في مقابلة مع صحيفة أميركية: “أريد أن أعطي يهود الأمم كلها زاوية في العالم يعيشون فيها في سلام، ولا ملاحقة فيها ولا احتقار ولا نبذ. إن القدس الجديدة التي أراها في أحلامي، وإن فلسطين الناهضة، المزدهرة المنبعثة، التي تلاحقني، تظهر أمامي بأدق تفاصيلها، وأراها كخلاصة وكجوهر لكل شيء شادته الحضارة في مدى القرون.”

“سنعمل كل شيء، سنختار أفضل المواقع لمدننا، وحتى نبنيها سنستعمل كل مصادر العلم الحديث، سنجعل الأرض خصبة، وسيتعلم شعبنا كيف يستثمرون الأرض. وسوف يتعلمون كيف يمارسون مقدراتهم ومواهبهم في الذكاء والجهد والمثابرة في طرق أخرى غير تلك التي حصروا أنفسهم بها حتى الآن.

أريد أن أطرد الباعة والقذارة التي تدنس القدس من تلك المدينة المقدسة. وأن أنظفها دون أن أؤذيها، محترما كل حجر فيها، وأ، أكرسها للأعمال الإنسانية، ملجأ للعجزة والأطفال ولنتاج العقل ولكل ما يحافظ على صفاتها، عظمتها الجبارة.”

في الحقيقة ليس أبين من رؤية الصهيونية لنفسها وعلاقتها مع الآخرين غير هاتين الفقرتين بقلم هيرتزل، فالصهيونية ترى نفسها مستحقة للحياة الكريمة بأعلى مراتبها، تغذي قوميتها بالعلم والعمل، وتحمل كل قيم الإنسانية لذاتها، لكن في رؤيتها للآخرين متوقفة على الوظيفة التي سيؤديها، فالعثمانيون مُلّاك، والأوروبيون مرة شهداء على وثاقة صفقة البيع، ومرة شركاء اقتصاديون وسياسيون في الشرق الأوسط.

أما الفلسطينيون فإما قذرون ومدنّسون لقداسة الأرض، لأن لا وظيفة يمكن أن يقدموها في الصفقة إذ يشغلون حيزًا كبيرًا على أرض الميعاد -في نظر هيرتزل- أو مجموعات أقل استحقاقًا للبشرية في أعلى تعاملات الصهيونية مع الفلسطينيين، كحيوانات بشرية، ماشية مثلًا يجب أن تطردهم من أرضك بعد أن اشتريتها.

الأعمال الصهيونية في فلسطين

بعد هذا العمل المضني، تضافرت هذه الأدوات المالية والسياسية التي ساهم بها هيرتزل وأطراف عديدة من اليهود، إذ بدأ العمل من خارج فلسطين إلى داخلها، وتكثّفت الممارسات الاستيطانية الإحلالية العملية هذه المرة ولست الورقية، وأصبحت التوغلات السرطانية للمستوطنات الإسرائيلية البذرة الأساسية لدولة إسرائيل وقتها فقط سيستطيع اليهود رؤية أبعد أحلامهم في ذهن هيرتزل تتحقق شيئا فشيئا.

المرحلة الأولى: 1882-1903: 46,000 يهودي في الأراضي الفلسطينية

حسب الإحصائيات الدولية فإن يهود العالم كلهم في ثمانينيات القرن التاسع عشر كانوا بحدود 7,750,000 يهودي، خمسة وسبعين بالمئة منهم يقطنون روسيا القيصرية آنذاك.

في هذه الفترة لمع اسمين هما البارون إدموند رويتشيلد وآرثر روبين، الأول المصرفي الثري الذي جاءت مساهماته السخية بالعمار على دولة اليهود في بداياتها، أما الثاني فهو رئيس بيرقراطي يهودي من بروسيا ألمانيا الشرقية.

ساهم رويتشيلد ببناء 47 مستوطنة أقيمت على 420,000 دونما، وله دور بارز في المؤتمر الصهيوني الأول مؤتمر بازل، إضافة لإنشاء صندوقي الاستعمار اليهودي سنة 1899 والصندوق القومي اليهودي، وهي هيئات مالية مركزية لتنظيم وشراء الأراضي في فلسطين، وقد تفرع من الصندوق عدد من الشركات والمصارف أقيمت في إستانبول وبيروت والمدن الفلسطينية.

أما آرثر روبين فقد تولى مكتب فلسطين وهو مكتب يقوم بمهام تنسيق عمليات شراء الأراضي، وله دور في التخطيط الاستيطاني، لكن مساعي روبين اصطدمت بضعف موارد الصندوق وموقف السلطات العثمانية لذلك تناقص معدل زيادة الأراضي، فقد ازدادت مساحة المستوطنات 16,400 دونم إلى 1914 على ما مجموع ما كانت عليه 420 ألف دونما أي 436 ألف دونم.

المرحلة الثانية: دغانيا أم الكيبوتسات/ 1914-1918: عدد اليهود 57 ألف يهودي في فلسطين

بحث الصهاينة الأوائل كما رويتشيلد وما جاد في سيرة هيرتزل عن الـ”Charter” أي البراءة. وهي العهد بإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين، والغطاء الدولي لكل المساعي الاستيطانية الاستعمارية في الأراضي الفلسطينية، وكما جاء في يوميات هيرتزل فقد اتصفت البراءة بالوضوح والعلانية إذ قال هيرتزل:” أريد أن أقوم بكل شيء علانية، أريد أن أعمل ضمن القانون.”

وقد نال هيرتزل الوعد بالبراءة من الحكومة البريطانية، إذ جاءت نتائج الحرب العالمية الأولى كارثية على الدولة العثمانية وعمّقت المشاكل المالية التي كانت تواجهها الدولة، فقد سمح بهذه البراءة من بريطانيا بعد زوال العهد العثماني وانتقال البلاد إلى أيدي بريطانيا.

وعد بلفور

«تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.»

فقرة واحدة فقط عهدت لليهود في كل العالم بوطن في فلسطين من قبل آرثر بلفور إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد، بين أصدرته الحكومة البريطانية بعد حصولها على الأراضي الفلسطينية بالانتداب، عام 1917.

رجوعًا إلى الأراضي الفلسطينية فقد تغيرت استراتيجية المستعمر قليلًا من الكم إلى الكيف والنوعية، طور آرثر روبين الوحدة الاستيطانية لتكون مثالية بدلًا عن سلفه رويتشيلد الذي كانت مستوطناته خاصة، واتسمت مساعداته بالأبوية. 

فقد نظم روبين “وحدة الكيبوتس – مستوطنة بالعبرية” لاستيعاب الشبيبة العمالية الطلائعية وربطها بالأرض وبالمؤسسسات المركزية الصهيونية. 

إذ دار عمله حول إحلال العمالة الفلسطينية بالعمالة اليهودية في الكيبوتسات، وبالتالي ربطه بالأرض والانعتاق من رعاية ريتشيلد الأبوية. 

سعيًا منه لإفهام اليهودي بأن هجرته إلى فلسطين ليست حجًا دينيًا كما فعل رويتشيلد بتوفيره كل وسائل الراحة لليهودي على أرض فلسطين، بل هجرة اليهودي هي هجرة لأرض الميعاد أرض الأجداد والأحفاد وهي متصلة بهم اتصالًا أصيل، ويجب أن يحرث اليهودي أرضه ويسقي زرعه ويعمل بها ويكسب قوت يومه منها. 

وهكذا كانت أول الكيبوتسات وأقدسها عند اليهودي، كيبوتس دغانيا 1910، المجتمع اليهودي الأول، التي كانت مُعمّرة بيد اليهود ومزروعة بأيديهم ومحروسة من قبلهم. 

 لقد تعدى الأمر إنشاء الكيبوتسات وتنسيق الزهور بها، إلى تجنيد اليهود كي تكون نواة الجيش اليهودي ليرابط بعد انتزاع فلسطين من العثمانيين، ونجد أسماء جوزيف ترومبلدور، الذي استقر في كيبوتس دغانيا 1912، وهو محارب روسي حارب في جبهة روسيا- اليابان عام 1905، ومن أوائل من حصلوا على رتبة ضابط في الجيش الروسي.

وفلاديمير جابوتنسكي، صحفي روسي اشترك في الدفاع عن الأحياء اليهودية وساهم في التوعية بأهمية حماية الأراضي اليهودية وعدم السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل بها أو حراستها.

وقد استطاعا بعد مشاورات حثيثة مع الانتداب البريطاني بإنشاء الفيلق اليهودي، وهم 6400 جندي، مكونة من ثلاثة كتائب، كتيبة من أمريكا، وكتيبة من بريطانيا، وكتيبة من اليهود الروس.

وقام ترومبلدور بنشاط هام في روسيا لتنظيم حركة “هيجالوتس” أي الطلائعيون. وكان هدف هذه المنظمة تنظيم الهجرات الجماعية إلى فلسطين من روسيا، لكنها تميزت بتلقينهم تدريبات عسكرية قبل ذلك وشملت تعليمهم اللغة العبرية وبعد المناحي في المجال الزراعي. 

المرحلة الثالثة: 1919-1936: 120,559 يهودي حتى 1925 – 355,175 حتى 1936 – مساحة المستوطنات 1,392,600

ارتفع عدد المستعمرات من 47 في 1914 إلى 172 في هذه المرحلة، وكما ترى فإن المكائد اليهودية قد آتت أكلها، ويبدو أن السياسة في الشرق الأوسط قد ساهمت في تعزيز المشروع الصهيوني في إنشاء دولة اليهود، إذ صعد صوت العرب أخيرًا في الدولة العثمانية عبر الثورة العربية الكبرى.

واستطاعت الدول الأوروبية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى من استكمال مشاريعها التوسعية في جميع أنحاء العالم، ففي بلاد الشام خاصة تجد بأن الاستعمار قد توغل في صيغة انتداب، انتداب بريطاني على العراق والأردن وفلسطين وانتداب فرنسي على لبنان وسوريا.

إضافة بأن الجهود الصهيونية باتت أكثر دراية بخطوات النجاح وعرفت كيف توظف كل قدراتها وتتغلب على الصعاب التي واجتها من سك البراءة إلى التمويل، ثم الشكل الأنسب الذي يجب أن تكون عليه مستوطناتهم وبالتالي دولتهم.

جاءت وجهة نظر شتباي طيفت وهو كبير خبراء العسكريين بسيرة بن غوريون، بأن الأخير قد توصل إلى قناعة في سنة 1936 بأن العلاقة مع الفلسطينيين يجب أن تكون عسكرية لا سياسية، فقد رفضوا قيام أكثرية يهودية في البلاد، ولا يقبلون الهجرة غير المقيدة لليهود.

على هذه الخلفية تم تكوين الأداة العسكرية الصهيونية “الهاغانا”، وهي وحدات قتالية سرية أقيمت في فلسطين، قد غضت حكومة الانتداب البريطاني الطرف عنها، وقد كانت ممارساتها سرية خشية أن تنقلب السياسة البريطانية وكي تبقى الأداة العسكرية في تصرف المشروع الصهيوني تمامًا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على Ivy Torres إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى