احلام لم تتحقق

قصتي: من حمامة السلام لنافذتي المفقودة

فتح كاميرا هاتفه الأمامية وقال:

مرحبًا بكم أنا عمر حلاسة اليوم أبلغُ عامي الثامن، وها أنا أحتفل

بعيد ميلادي معكم من داخل منزلي بحي الشجاعيّة بمدينة غزة، شعار منزلي السلام، والأمان أولًا ثم أي شيء آخر يأتي بعد، هل ترى حمامة السلام التي تطير بجوار نافذتي؟

 

هذه حمامة أبي فهو يعمل في مجال حقوق الإنسان من أجل غزة جديدة أكثر أمانًا واستقرارًا، ويرى غزة بعيون أطفاله، وأحلامهم، فهو يريد مستقبلًا أفضل يحتوي أحلامنا.. وأحلام كل إنسان، وطفل غزّاوي.

 

يمكث أبي بالأيام بعيدًا عن منزلنا في مؤتمرات، ومعاهدات سلام تُنظمها حقوق الإنسان حول العالم من أجل مستقبل أفضل للبشرية، وهو يعلم بداخله أن البشرية نوعان:

 

-مُعمر صاحب أرض.

-ومُحتل مُغتصب الأرض.

 

وبينهما تجلس المنظمات الحقوقية، ومنظمات الأمم المختلفة تصدر أوامرها، وتوجيهاتها، فدون هذين الوجهين للبشر سوف لا يكون هُناك عمل لهؤلاء، ونعود لحمامة السلام حيث منزلنا.

 

ها هو أبي الحقوقيّ؛ الذي يعمل في منظمة حقوق الإنسان

حسن حلاسة، منذ فترة قريبة شارك صورتي مع أختي بيسان وأنا أتكرم بالمركز الأول في صفي، فقد كان فخورًا بي وبأحلامي الصغيرة، فحُلمي أن تُعانق الإنسانية أحلامنا، وتؤمن بنضالنا من أجل السلام والقضية الفلسطينية.

 

” عيد سعيد حبيبي عُمر ” قالها والده وهو يحتضنه ويعطيه هديته.

 

الآن أذهب بالكاميرا لأختي بيسان ١٩ عامًا بكلية الطب، حلمها أن تصبح طبيبة غزّاوية، استعدادًا لمداواة جِراح أطفال غزة وأهلها، في الهجوم الذي قد يقع في أي وقت على شعبنا، فقد اعتدنا هذا المشهد، ولا نملك من العدة لهذه الهجمات سوى مداواة المصابين، ودفن الشهداء، ومناشدة أبي لمنظمات حقوق الإنسان عن حقوق النازحين إلي المخيمات دون مأوى أو مستقبل واضح يحوي أحلام الصغار، ومنزل يأوي أجسادهم الصغيرة في صقيع الشتاء.

أما هذه فاختي مرح تخرجت هذا العام من كلية هندسة، وهي تحب الرسم، والتصوير، والطبيعة، والحياة، ودائماً مشرقة كالحياة بابتسامتها الخجولة، والصور التي تلتقطها لطبيعة غزة المشرقة كالشمس رغم جراحها التي تنزف على مدار ١٧ عام.

أما هذه فأمي لينا، وهي بالفعل لينة القلب عطوفة، أحاطت أسرتي بعاطفتها، وأحلامنا بدعمها، فتأخذ الدفّة براعية عائلتي عند غِياب أبي ليقوم بمهمته الإنسانية من أجل شعبة.

والآن مع جدتي نورزا حلاسة ٦٦ عامًا، تحكي لنا دائمًا عن قصة النكبة، والتهجير، والمجازر الجماعية التي ارتكبت بحق أجدادنا في فلسطين على يدّ الاحتلال الإسرائيلي، وتحلم بزرع شجرة زيتون باسم كل شهيد قُتل على يدّ الاحتلال..

القائمة كبيرة يا جدتي نحتاج فدادين من شجر الزيتون.

ومن نورزا الكبيرة ننتقل إلى نورزا الصغيرة ابنة عمي أحمد

ذات العامين تقريبًا، وأخيها شعبان ٤ أعوام، وأمهما خالتي إسلام، عائلة صغيرة بمنزلنا تبني أول طوبة في مستقبل أحلامها.

أولاد عمي أبو همام فقد حضروا جميعًا ليحتفلوا بعيد ميلادي، أسماء حلاسة ١٦ عامًا في المرحلة الثانوية

يسرى حلاسة ١٣ عامًا في المرحلة الإعدادية

هشام محمد ١٠ أعوام في المرحلة الابتدائية

وزوجة عمي آية حسونة

أحلامهم تشبه كثيرًا تلك الحمامة، السلام، والأمان، والحرية

ثم يأتي المُستقبل فاتح أذرعه؛ لتحقيق أي حلم آخر المهم أن نعيش لكي نحقق أحلامنا، فالأحلام قد تكون مجرد أسطُر في قصة أحدهم يحكيها عن أصحابها الذين أصبحوا في عالم الشهداء بفعل قنبلة العدو لتأخذ الأحلام بأصحابها

إلى عالم آخر.

ها أنا أحدهم الذي يروي قصة عائلة حلاسة، وأحلامها، من كاميرا هاتف عمر حلاسة من داخل عيد ميلاده الثامن الذي لم، ولن يحدث إلى الأبد.

فقد قتل عمر وعائلته التي روينا أحلامها، وأسماءها عدا والدهم الذي كان في مكان ما بغزة يناشد منظمات حقوق العالم ليروا بعين الحقيقة المجازر التي تحدث في غزة بعد السابع من أكتوبر لعام ٢٠٢٣.

تم تهجير أسرته من منزلهم بمنطقة الشجاعية قبل لحظات قليلة من تطهيرها بالكامل على يد قنابل العدو لاعتقاده بأنه يحارب الإرهاب المختبئ بمنازل هؤلاء الأبرياء، فقد أخذوا أغراضهم الشخصية ونزحوا إلى مكان آمن بمنطقة الزوايدة هربًا من القصف الإسرائيلي.

يقال إن حي الزوايدة مكان آمن للأُسَر، والعائلات النازحة من حي الشجاعيّة، والأحياء المجاورة، فبعد أن استقروا في إحدى المنازل وأثناء منتصف الليل وهم نِيام تم نسف منزلهم بالكامل على يد الاحتلال الغاشم، وتم انتشال جسد ١٢ فرداً من عائلة حلاسة من تحت رُكام المنزل الآمن الذي اتّجهوا إليه ليحميهم من قنابل الفسفور المحرمة دوليًا، وأنواع أُخرْ من الأسلحة الكيماوية التي يستخدمها العدو من بداية الحرب على غزة على مرأى ومَسمع القوانين، والمنظمات، وهيئات العالم، الذي ما زال مستمرًا في دعم هؤلاء الوحوش مُعادِي الإنسانية، والسامية.

منذ ٧ أكتوبر وحتى تاريخ اليوم ١٦/١١ تم قتل أكثر من ١١ ألف فلسطيني من بينهم أكثر من ٤ آلاف طفل، كل منهم له اسم، وحياة، وحلم.

أيها العالم!!

الطفل الغزّاوي لا يُريد سوى السلام والأمان، يريد حياة آدمية فقط.

فقد سأل طفل غزّاوي من قِبل صحفي “بدك إيه ” قال بدي أعيش!

وطفلة أخرى تبحث في ركام منزلها بعد القصف وتصرخ “بدي أمي”

وآخر يقف بجانب جسد أخيه الذي توفى ويودّعه بانهيار “بدي أبوسه”

وأخرى تجري وراء تشييع جنازة والدتها “بدي شعرة منها”!

وطفل آخر يحمل قطته ويُطمئنها، وبداخله لا يعرف للسلام والطمأنينة مكان.

ما تبقى من أطفال غزة الآن، لا يبحث عن الأكل، والشرب، والمأوى الذي لم يعد موجود بالفعل، هم يريدون الآن أن يناموا فقط ويستيقظوا ليجدوا أحبائهم ما زالوا بجانبهم، وأنهم مازالوا على قيد الحياة.

شهداء عائلة حلاسة في غزة لم يكونوا مجرد أرقام؛ بل كانوا أرواحًا يحملون آمالًا وأحلامًا كثيرة، أحلامهم تُشبه حمامة السلام التي كانت تحلق بجوار نافذة منزلهم.

دعونا ننتفض من أجلهم، ونقف مع أطفال وشهداء غزة، ونكُن صوتًا واحدًا يطالبُ بوقف القصف، وإرسال المساعدات الإنسانية، ولنشارك قصصهم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على Michael Eubanks إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى