تاريخ فلسطين

اتفاقية سايكس بيكو، والخداع البريطاني

في خضمّ الحرب العالمية الأولى، بينما كانت نيران الصراع تلتهم أوروبا، اتخذت بريطانيا وفرنسا قرارًا سريًا سيترك ندوبًا عميقة على جسد فلسطين، ففي عام 1916، تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو، تلك الاتفاقية التي رسمت خطة لتقسيم الوطن العربي إلى دول بينها حدود بعد أن كانوا كتلة واحدة تحت قيادة الدولة العثمانية، فما هي اتفاقية سايكس بيكو؟

ما هي اتفاقية سايكس بيكو؟

هي اتفاقية سرية وضعت من قبل الدبلوماسيين البريطاني “مارك سايكس” والفرنسي “جورج بيكو” اللذين كانا مسؤولين عن وضع الخطط لتقسيم النفوذ في المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطوريات العثمانية والنمسا-المجر، بفرض خسارة دول المحور في الحرب وتوزيع تركة الدولة العثمانية كغنيمة للحرب.

وضع فلسطين قبل الحرب العالمية الأولى!

في منتصف القرن التاسع عشر، كانت الأراضي الفلسطينية جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، التي شهدت ضعفًا وانحدارًا بعد فترة من التوسع والازدهار،  وخاصة بعد حروب البلقان التي أسفرت عن خسارة العديد من الأراضي العثمانية، وأشعلت الرغبة في التدخل الأوروبي لتوسيع نفوذه.

تزامن ذلك مع ظهور الصهيونية في أوروبا، حيث استهدفت فلسطين كمكان لِلهجرة والاستعمار،  عارضت الدولة العثمانية هذه الحركة مما زاد من التوتر بينها وبين القوى الأوروبية. أصبحت الدولة العثمانية كالشوكة في حلق الأوروبيين!! فهل هذا السبب الوحيد للإطاحة بها أم أن هناك أسباب أخرى؟

بعد منتصف القرن التاسع عشر وكرد فعل على الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا، تكونت بعض الحركات التي تنادي بأهمية إنشاء وطن قومي لليهود، ومنهم حركة أحباء صهيون في روسيا، التي شجعت على بناء وطن قومي لهم داخل فلسطين.

ظهرت بعدها العديد من الحركات التي تدعم الهجرة لفلسطين، وحصلوا على دعم مادي كبير من أثرياء أوروبا اليهود كالبارون إدموند دي روتشيلد، والبارون موريس دي هيرش، وقاموا بإنشاء 7 مستعمرات يهودية داخل فلسطين في ثمانينيات القرن التاسع عشر. على الرغم من صدور قرارات من الدولة العثمانية تمنع اليهود من الهجرة إلى فلسطين، فقد سنت العديد من القوانين التي تمنح اليهود الفارين من أوروبا وطن داخل الدولة العثمانية باستثناء فلسطين!

تحايل اليهود على تلك القوانين، باستغلال قرار الدولة العثمانية بالسماح لجميع الديانات إلى زيارة بيت المقدس لممارسة شعائرهم، فكانوا يأتون لزيارة الأماكن المقدسة للحج، ويقومون بالتجارة وشراء الأراضي والمكوث هناك.

المؤتمر الصهيوني الأول في بازل والموجة الأولى للهجرة اليهودية

في عام 1896، نشر هرتزل كتابه “الدولة اليهودية”، الذي قدم فيه رؤيته لإقامة دولة يهودية في فلسطين، ووضع خطة عملية لتحقيق هذا الهدف، من خلال المؤتمر الصهيوني الأول في بازل، سويسرا.

 كان المؤتمر بمثابة حدث تاريخي، حيث أنشأ المنظمة الصهيونية العالمية، ووضع أهداف الحركة الصهيونية. كان هدف هرتزل هو إقناع الدول الكبرى بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وقد نجح في تحقيق هذا الهدف في عام 1917، عندما أصدرت الحكومة البريطانية وعد بلفور، الذي تعهد فيه بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

بدأت الموجة الأولى للهجرة اليهودية داخل فلسطين في الفترة من 1882 إلى 1903، وصل خلالها أرض فلسطين 25 ألف يهودي. ولكن تلك الهجرات كانت تعترضها الدولة العثمانية، فبلغت الأوروبيين أن جوازات سفر اليهود “يجب أن تنص صراحة على أنهم ذاهبون إلى القدس لأداء فريضة الحج، وليس لغرض ممارسة التجارة أو الإقامة هناك، لكي يحصلوا على تصريح إقامة لمدة 3 شهور فقط لأداء مناسكهم داخل القدس”.

لاقت هذه القوانين اعتراض بريطانيا وفرنسا، والولايات المتحدة، وبعدها ضيقت النطاق وقامت بحظر بيع الأراضي إلى كل اليهود، وفي كل مرة تصدر الدولة العثمانية قانون جديد، يستمر ضغط الدول الأوروبية!

الحرب الروسية العثمانية

في عام 1853، اندلعت حرب روسية عثمانية بقيادة نيكولاي الأول الذي أطلق لقب “الرجل العجوز” على الدولة العثمانية، معتبرًا إياها ضعيفة وعلى وشك الانهيار. انتهت الحرب بمعاهدة باريس، لكن روسيا شنت مجموعة من الحروب، التي انتهت عام 1913، مسهمة في خسارة الدولة العثمانية دول البلقان.

أغرت هذه الأخبار الدول الأوروبية الأخرى التي كانوا يهابونها حتى بداية القرن التاسع عشر، فوضعوا خططاً لإضعاف الدولة العثمانية من الداخل والخارج من أجل تقسيم أراضيها، خاصة في منطقة الهلال الخصيب، وذلك بمشاركة روسيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية للجميع التي كانت تشمل موانئ حيفا ويافا كموقع استراتيجي للتجارة العالمية، وباقي فلسطين كأرض موعودة وهدية لأثرياء أوروبا اليهود.

الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا وروسيا

خلال الحرب العالمية الأولى، انخرطت الدولة العثمانية ضمن دول المحور، وخلال تلك الفترة، بيّنت دول أوروبا نيتها بتقسيم الأراضي العثمانية. في الفترة من 14 يوليو 1915 إلى 10 مارس 1916 بدأت تلك التحركات من خلال مراسلات مكماهون للملك حسين شريف مكة، وتحريض العرب ضد الحكم العثماني ووعد الشعوب العربية بالاستقلال بمجرد خسارة الدولة العثمانية في الحرب.

الخداع البريطاني للعرب

بعد أن تأكدت بريطانيا من ثورة العرب ضد العثمانيين، وحتمية خسارة الدولة العثمانية للحرب العالمية الأولى، كان لابد من وضع مخطط لتقسيم غنيمة الحرب، وهو إرث الدولة العثمانية (منطقة الهلال الخصيب) فوضعت مخطط سري لتقسيم هذا الإرث مع حلفائها فرنسا وروسيا، ناكثة بوعدها للعرب من خلال مخططها السري اتفاقية سايكس بيكو.

في  16 مايو 1916 وقبل الثورة العربية الكبرى مباشرةً تم توقيع الاتفاقية بين فرنسا وبريطانيا وروسيا بهدف تقسيم مناطق نفوذ الدولة العثمانية بعد انتهاء العالمية الأولى بفرض خسارتها، وتقسيم غنيمتها على الدول الحلفاء فرنسا وبريطانيا وروسيا.

نصت الاتفاقية على تقسيم منطقة الهلال الخصيب إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، وإعطاء منطقة الأناضول وأرمينيا إلى روسيا القيصرية، لكنها سقطت قبل أن تحظى بنصيب فيها، حيث كشفت الثورة الشيوعية في موسكو عام 1917 عن بنود هذه الاتفاقية للعالم وهنا شعر العرب بالخيانة.

كان لفلسطين نصيب كبير من هذه الاتفاقية، حيث تم تقسيمها إلى ثلاث مناطق: منطقة خضراء تحت النفوذ البريطاني، ومنطقة حمراء تحت النفوذ الفرنسي، ومنطقة زرقاء تحت الإدارة الدولية.

الثورة العربية الكبرى والخداع البريطاني ووعد بلفور 

في 10 يونيو 1916 قاد الشريف الحسين بن علي الثورة العربية الكبرى، الذي وعدته بريطانيا بإنشاء دولة عربية مستقلة في بلاد الشام بعد انتهاء الحرب، ولكن أثناء الثورة اكتشف عن خديعة بريطانيا له فقام بمراسلتها، طمأنته بأنها مجرد محادثات قديمة مؤقتة فصدقهم، واستكمل ثورته لينال حرية وطنه.

في عام 1917، أصدرت بريطانيا وعد بلفور، الذي تعهد بدعم إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. اعتبر العرب هذا الوعد خيانةً صريحةً، حيث تناقض مع وعود بريطانيا السابقة لهم بإنشاء دولة عربية مستقلة في بلاد الشام.

هُزمت الدولة العثمانية في الحرب في عام 1918، وتم تقسيم أراضيها بين دول الحلفاء، مما أدي إلى نهاية الدولة العثمانية وظهور دول جديدة في الشرق الأوسط؛ طبقًا لاتفاقية سايكس بيكو، ولم تقدم للشريف الحسين ولا العرب ما كانوا يطمحون إليه، كأمة عربية واحدة مستقلة بدون مستعمر، كما قامت بنفيه.

عُقد بعدها مؤتمر سان ريمو عام 1920 الذي فرض الانتداب وساهم المجتمع الدولي في احتلال البلدان العربية، تحت مظلة الانتداب الفرنسي والبريطاني، وسلمت فلسطين كهدية لليهود من أجل إنشاء وطن قومي لهم بمباركة الأمم المتحدة.

في النهاية كان زوال الدولة العثمانية نتيجة صراعات داخلية ومؤامرات خارجية، من بينها اتفاقية سايكس بيكو والتي أدت إلى تداعيات كارثية على فلسطين التي لاتزال تُلقي بظلالها على فلسطين حتى يومنا هذا، فـــالتقسيم الذي فرضته الاتفاقية، والهجرة اليهودية، كانت بداية الصراع الفلسطيني، التي مازال يعاني منه أهل فلسطين وخصوصًا أهل غزة الصامدون.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى