لوحة فنية بعنوان ‘أرض المقاومة’

هل ترى ما أرى؟
دخان كثيف، عربات إسعاف، أشلاء تحت الأنقاض ثلاجة آيس كريم تحولت إلى ثلاجة لحفظ الموتى بسبب انقطاع الكهرباء المستمر على سكان قطاع غزة، ظلام دامس، سكون تام، ما قد نجا من هول ما حدث يبحث عن مكان آمن له ولأطفاله.
نعم!
لا يوجد سوى المستشفيات، العدو يعلم أماكنها ولكن بالتأكيد سوف يفكر ألف مرة قبل ضرب مستشفى بإسم الإرهاب. تذهب الأسر بأطفالها لتتكدس داخل تلك المستشفيات، لربما سوف تكون سفينة النجاة في بحر الدماء الذي صنع في إسرائيل.
في منتصف الليل تهدأ أجساد الأطفال المرتعبة من هول ماحدث في أحضان ماتبقى من عائلتها، بينما هناك طفل في آخر الرواق يحتضن الخواء فلم يتبقى أحد من عائلته.
لربما بقي هو ليكون الجذر الذي سيزرع في أرض آمنة خصبها وسيتحول الجذر لشجرة جديدة باسم العائلة.
مشهد يتكرر على مدار ٧٥ عام في أرض فلسطين أرض المقاومة وتحديداً غزة المجروحة بجرح غائر ينزف على مدار أكثر من ١٧ عام من بدأ الحصار الذي شنته إسرائيل على القطاع المقاوم.
يقطع هذا المشهد صوت مدوي لإحدى قنابل المحتل على الأجساد النائمة في طرقات المستشفى، والجرحى والأطباء، وما أكثر الجرحى في تلك المستشفى من الأطفال والنساء، فأجسادهم الضعيفة لا تتحمل الهدد وهم أوائل ضيوف تلك المستشفيات كجرحى أو جثث، أو لربما أشلاء.
تحول المستشفى بكل مافيه إلى مقبرة جديدة بفعل قوة القنبلة وأثرها.
فُقد في هذا اليوم أكثر من ألف شهيد نصفهم من الأطفال الذين لم تتحمل أجسادهم الضعيفة قوة القذيفة وتحولوا إلى أشلاء مشهد عبثي يتكرر كل مرة تحدث فيها الحرب على قطاع غزة، ولكن هذه المرة رأى العالم ماحدث، ولكن أفواه المحتل الكاذبة التي تثرثر في آذان الغرب والعالم صدرت المشهد كجريمة بفعل المقاومة، حقاااا !!
ما رأيك بهذه اللوحة؟ لقد رسمت بفرشاة صنعت خصيصاً في أمريكا، واستخدمت دماء الشهداء في رسم هذا المشهد بإبداع قاتل.
من أرض المقاومة ومن بطن هذا المشهد الذي يتكرر على مدار أعوام، يصنع الأمل رغم الألم، والصمود رغم الجرح النازف داخل كل فلسطيني كتب له أن يعيش هذا المشهد، نحكي لكم عن حبيبة أحد أطفال المخيمات التي اضطرت إليها عائلتها بسبب تهجيرهم من ديارهم الأصلية.
كانت المخيمات هي عالم حبيبة الصغير الذي رسمت فيه أولى لوحاتها بألوانها الزاهية “أنا أحب فلسطين”، هكذا بدأت حبيبة رحلتها الفنية، تعبر فيها عن حبها لأرضها وهويتها، هويتُها التي اتفقت معظم دول الإتحاد الأوروبي مع إسرائيل على طمسها، بلصق صفة الإرهاب عن شعبها، واعطاء الكارت الأخضر لمحو شعب غزة فهم في نظر العالم حفنة من الإرهابيين تهدد أمن دولة إسرائيل المزعومة، وعندما تدرك تاريخ هذه الدولة ستجد فقط الدماء، فتاريخها كتب بدماء أطفال ونساء فلسطين المحتلة.
حبيبة ذات الثماني أعوام احد أطفال غزة الذين يهربون من ألم الحرب، بموهبة صغيرة ينسجون من خلالها مستقبلهم، فأحلام تلك الصغار يتمحور حول وطن حر، ونفس حرة لها حق الحياة على أرضها، وليس داخل زنزانة المخيمات التي اختارها لها عدوها.
أما بالنسبة لحبيبة فقد كان حلمها أن تتحدث الإنجليزية بطلاقة لتنقل المعاناة التي يمر بها قطاع غزة إلى أنحاء العالم، وتريد تصبح طبيبة عندما تكبر لمساعدة المصابين في الحرب، فقد كانت تحضر اللقاءات الدولية التي كانت تعقدها والداتها
مع منظمات حقوق الإنسان، تمهيداً لدورها المجتمعي اتجاه الشعب الفلسطيني، فقد كانت مبادرة معطاءه تحب الجميع،
وتعبر عن حبها بالعناق فأطلقت عليها والدتها( المحتضنة).
بالرغم من الألم والمعاناة التي يمر بها أطفال المخيمات، كانت حبيبة تحمل في قلبها أماني وأحلاماً بسيطة، تريد من خلالها التعبير عن واقع شعبها ومعاناتهم.
منذ سنتين، شاركت حبيبة رسمتها الأولى حول فلسطين على حسابها الشخصي، حيث كتبت “أنا أحب فلسطين”، مع رسمة معبرة عن عالمها الذي تتمناه، وتلك كانت بداية رحلتها الفنية التي قررت أن تسلكها لتصل صوتها ومعاناة شعبها للعالم.
في اليوم السابع من الحرب وأثناء خوفها من أصوات القنابل والقذف، التقطت فرشاة الرسم والألوان وقامت بتمشيط شعرها
بفرشاة الرسم وقالت أنا فنانة سأعبر عما أشعر به بالرسم، ثم قامت برسم تلفاز ورسم الفلسطيني وصورتها داخل إطار التلفاز وهي تحكي أخبار الحرب، وأثناء اندماجها بالرسم، وفي لحظة مأساوية، أخذتها قنابل الاحتلال، برفقة أحلامها وطموحاتها، ولم يتركوا لها فرصة لتحقيقها، تم تمزيق عالم حبيبة في 14 أكتوبر 2023، بلا ذنب سوى أنها وُلِدت في عالم تجاهلته العدالة وحُرِمت من الأمان والسلام.
في الفترة من 7 أكتوبر إلى 31 أكتوبر لعام 2023، قتل أكثر من 3000 طفل بسبب قنابل الاحتلال، وأكثر من 5000 فلسطيني بينهم نساء ومسنون، تمحورت حياتهم حول وطن فلسطيني حر، يتنفس أفراده هواء الحرية والعدالة، التي تنادي بها منظمات هراء (حقوق) الإنسان.
حبيبة لم تكن مجرد رقم، حبيبة كانت طفلة بريئة لها أحلام، ولكن، في لحظة لا تحتمل الوصف، تم غمر عالمها بقنابل العدو وقسوة الحرب على قطاع غزة، فأخذت منها هذه القنابل حلمها وأمانيها، ورمت بها بعيدًا عن واقعها بلا رحمة كأشلاء!
نعم، أشلاء!
فقد تم انتشال جسد حبيبة الذي تحول إلى أشلاء من أحد المخيمات في الحرب على غزة بأكتوبر 2023.
نحن نتحدث عن حبيبة لنتذكرها ولنخاطب عقل وقلب كل إنسان حر حول العالم.
نخاطب الأم المُغيبة التي تدعم المحتل، ماذا لو كانت حبيبة ابنتُكِ، ماهو ردة فعلك؟
نخاطب الأب الغربي، الذي يدرك حقوق أبناءُه وربما نزع الساسة من منصبهم لو اعتدوا على أبناءِه ماذا لو كانت حبيبة ابنتك؟
نخاطب رجل الكنيسة الذي يتحدث عن الرحمة والإيمان داخل الإنسان، هل تعلم؟ حبيبة طفلة كانت تستحق أن يُنظر إليها هي وأطفال فلسطين بعيون الرحمة.
نخاطب إعلام الغرب الذي يثرثر بالأكاذيب، نعلم أن لديكم ضمير وعقل وقلب، حان الوقت أن تأخذوا موقفًا، وأن تتوقفوا عن أن تكونوا مجرد دمى في مهرجان الدماء على غزة.
نخاطب الساسة الذين يدينون ما يحدث، بسبب القضاء على الإرهاب، هل تدينون أفعال إسرائيل التي تعلمون جيدًا أنهم مجرمون حرب! وأن حماس هم رجال مقاومة يحمون أرضهم ونساءهم وأطفالهم من مغتصبي الأوطان الصهاينة.
حبيبة ليست مجرد خبرًا عابرًا، بل خبرًا عاجلًا!
خبر عاجل!! لقد تم قتل ٣٥٠٠ طفل في أقل من شهر.
احترموا أحلام ما تبقى من أطفال غزة، ولنعمل من أجل عالم تتسع فيه أرض الأمل لاحتواء أهل غزة، لكي تزهر فيه أحلام ومستقبل أطفال تلك الأرض من جديد.



Hi, this is a comment.
To get started with moderating, editing, and deleting comments, please visit the Comments screen in the dashboard.